أثر الخطاب الإعلامي في القيم الاجتماعية
د. فوزي هادي الهنداوي
تعتبر العلاقة بين المنظومة الاعلامية ومنظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية علاقة فاعلة ومتداخلة على اعتبار ان وسائل الاعلام في اي مجتمع هي الوسائل الناقلة لانماط التفكير والمعرفة والقيم والافهام وبالتالي فهي تساهم في خلق جانب كبير من الثقافة الاجتماعية وطريقة حياة اي شعب او مجموعة سكانية معينة.
وقد اهتم معظم فقهاء الاتصال بالوظائف الاجتماعية لوسائل الاعلام وحاولوا تحديد ادوار تلك الوسائل ازاء المجتمع ورصد نتائج وتأثيرات هذه الادوار ويعدها رولد لاسويل من اوائل العلماء الذين اهتموا بهذه المسألة ، ويرى هذا العالم ان من بين وظائف وسائل الاعلام مراقبة البيئة الاجتماعية من خلال تجميع المعلومات وتوزيعها حتى يتمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغيرة، كما يرى ان لوسائل الاعلام مهمة اخرى هي زيادة ترابط اجزاء المجتمع في الاستجابة لتحديات البيئة المحيطة بهم، اي خلق رأي ، عام وطني موحد يساعد الحكومة الديمقراطية للقيام بدورها ، مثلما تتولى وسائل الاعلام عملية نقل التراث الاجتماعي من جيل الى ا
اما عالما الاتصال لازرسيفلد وميرتون فيحددان الوظائف الآتية لوسائل الاعلام تجاه المجتمع.
1- تبادل الاراء والافكار اي التشاور بين ابناء المجتمع لاضفاء الشرعية على اوضاع المجتمع.
2 . تدعيم المعايير الاجتماعية من خلال معاقبة الخارجين عن هذه المعايير، فهناك فجوة بين الاخلاقيات العامة في المجتمع والسلوك الخاص لبعض الافراد، وهذه السلوكيات المنحرفة لابد من فضحها اعلامياً للحفاظ على القيم الاجتماعية.
3 ـ التحذير : ويقصد به الاثار غير المرغوب فيها للمجتمع الناجمة عن خلل وظيفي لوسائل الاعلام من خلال زيادة مستوى المعلومات للجمهور فتخلق مايسمى( بالمعرفة السلبية) المعيقة للنشاط البشري مما يفضي الى اللامبالاة من قبل الجمهور بدلاً من ايقاظه.
ومن علماء الاتصال والمجتمع من يذهب الى ان لوسائل الاعلام وظيفة اخرى هي التنشئة الاجتماعية اي تعليم افراد المجتمع الجدد المهارات والقيم والمعتقدات التي يقدرها المجتمع كما قال بذلك ولبورشرام.
ويمكن اجمال الوظائف المجتمعية لوسائل الاعلام بما يأتي :
1. مراقبة البيئة الاجتماعية وتزويدها بالمعلومات والتنبيه بالمخاطر .
2. خلق المثل الاجتماعي وذلك بتقديم النماذج الايجابية في الامور العامة والثقافة والفنون.
3 ـ التنشئة الاجتماعية وهدفها المساعدة في توحيد المجتمع من خلال توفير قاعدة مشتركة للقيم والخبرات الجماعية.
4 . تحقيق التواصل الاجتماعي من خلال التعبير عن الثقافة السائدة والكشف عن الثقافات الفرعية ودعم القيم الشائعة.
5 . التعبئة وتتمثل في الاسهام في الحملات الاجتماعية ، وبصفة خاصة في الازمات السياسية والاقتصادية والحروب.
وفي ذات الوقت الذي تؤثر فيه وسائل الاعلام على النظام الاجتماعي فانها تتأثر به خلال عملها الوظيفي، فهذا النظام الاجتماعي الذي تعمل في اطاره وسائل الاعلام يعد من القوى الاساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال، فاي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لاقرارها ، ويعمل على تقبل المواطنين لها، وتعكس وسائل الاعلام هذا الاهتمام بمحاولاتها الحفاظ على القيم الاجتماعية السائدة. ففي بعض الاحوال لايقدم الاعلامي تغطية كاملة للاحداث التي تقع من حوله او ما يعني بالسبق الصحفي ، وذلك احساساً بالمسؤولية الاجتماعية او رغبة منه في تدعيم قيم المجتمع وتقاليده، احيانا تتجنب وسائل الاعلام انتقاد الافراد الذين يقومون ببعض الادوار الاجتماعية والثقافية من اجل تدعيم البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع وعدم خلخلة منظومته القيمية او الاخلاقية.وتصطدم وسائل الاعلام من خلال ادائها الوظيفي تجاه الافراد والمجتمع ببعض العقبات او المعدات التي تقلل من فاعليتها، هذه العقبات يطلق عليها في علم الاتصال بالعمليات الانتقائية وهي :
1. الاهتمام الانتقائي: وفحواه ان الناس لايستطيعون الاهتمام بكل شيء يوجه لهم، بل انهم اذا حاولوا ذلك سيعانون حملاً زائداً في الحال ولذلك فانهم يحصرون اهتمامهم في مجرد جزء محدود مما هو متاح يوميا ويهملون الاجزاء الاخرى، وهذا الانتقاء يرتبط لديهم بالاهتمام الفردي والانتماء الفئوي والروابط الاجتماعية.
2. الادراك الانتقائي: اي تفسير الخطاب الاعلامي باساليب تختلف من فرد الى اخر او من جماعة الى اخرى وفق الصفات النفسية المميزة والتوجهات السلوكية الخاصة بالفئات الاجتماعية، وانتماءات الروابط الاجتماعية.
3. التذكر الانتقائي: هناك انواع معينة من الخطاب الاعلامي، لانواع معينة من الجمهور، يتم تذكرها بسرعة ولوقت طويل، بينما نفس هذا الخطاب قد يتم نسيانه بسرعة من قبل فئات اخرى لها هياكل معرفية وانتماءات فئوية وروابط اجتماعية مختلفة.
4. السلوك الانتقائي: ان كل فرد لن يتصرف بنفس الاسلوب نتيجة التعرض لخطاب اعلامي معين، وهذه الاستجابات تعتمد على التأثيرات المتداخلة للمتغيرات الموجودة.
بوجه عام يمكن القول ان وسائل الاعلام تؤثر في مجرى تطور البشر، فهناك علاقة سببية بين التعرض لوسائل الاعلام والسلوك البشري، لكن اثار هذه الوسائل عديدة ومختلفة الشدة، قد تكون قصيرة الامد او طويلة الامد، ظاهرة او مستترة، قوية او ضعيفة، ويمكن ان تؤثر في الاراء او القيم ومستوى المعلومات والمهارات والذوق والسلوك.
اما ما يخص دور الخطاب الاعلامي واثره على القيم والاتجاهات فهناك اتفاق عام على ان وسائل الاعلام تحدث اثاراً على القيم الاجتماعية، اما الفترة الزمنية لاحداث هذا الاثر فمازالت محل جدل، وتشير معظم الدراسات الى ان وسائل الاعلام تقوم بدور ملموس في تكوين القيم والاراء اكثر مما تسهم في تغييرها.
واحد اسباب قيام وسائل الاعلام بتدعيم القيم الموجودة بالفعل هو اتجاه البشر لحماية انفسهم من خلال التعرض الانتقائي والادراك الانتقائي والتذكر الانتقائي. ولاحظ علماء الاعلام والاتصال ان وسائل الاعلام لاتدعم القيم السابقة فقط، وانما تدعم اتجاهات وسلوك المجتمع ايضاً، فالخطاب الاعلامي يسد الفجوة بين الاتجاهات الفردية الخاصة والاداب العامة السائدة في المجتمع.
وتقوم وسائل الاعلام باضفاء المكانة والقوة على بعض الافراد والجماعات من خلال التركيز الاعلامي عليهم واكسابهم الشهرة مما يمنحهم قدراً من السلطة والنفوذ والتفرد على غالبية الناس ويصبح سلوك مثل هؤلاء الاشخاص ذا دلالة بالغة على عامة الناس، وبالتالي تصبح لديهم سطوة في مجال دعم او تغيير القيم الاجتماعية وحتى رفضها.
هناك ايضا بعض الدراسات التي اهتمت بقياس مايسمى(الاثر الاستعراضي)او الانحياز للرأي الذي يعتقد انه يمثل الاغلبية، ويحدث ذلك حين يتبنى الافراد بعض الاراء ـ ليس عن اعتقاد اصيل باهميتها او صدقها وانما لانها تبدو كأنها اراء معظم الناس وتحاول الجماعات الاقلية مقاومة مثل هذا الاثر الاستعراضي او الاثر المنحاز للاغلبية، ولكنها تفتقر الى دعم جماعة مرجعية قوية، فتضطر للانسياق خلف الاغلبية.
كذلك اثبتت بعض الدراسات ان الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام تؤدي احيانا الى نتائج غير مرغوبة فزيادة الاخبار السلبية المتعلقة بالحروب كثيرا ماتؤدي الى زيادة القلق والتوتر لدى المتلقين مما يدفعهم الى اللامبالاة والانكباب على الذات.
وتوجد خمس طرائق على الاقل قد تكون وسائل الاعلام هي السبب في احداث اثار على القيم الاجتماعية او على السلوك الفردي اوالجماعي هي :
1. ان تكون وسائل الاعلام هي السبب المباشر الوحيد إذ يزداد اثر وسائل الاعلام حين تكون هي المصدر الوحيد للحصول على المعلومات.
2. قد تكون وسائل الاعلام هي السبب في احداث الاثر في حالة وجود عوامل وسيطة، وقد تعمل مثل هذه العوامل الوسيطة قبل او اثناء او بعد التعرض للخطاب الاعلامي.
3. قد تكون وسائل الاعلام هي العامل الوسيط بينما تكون العوامل الاخرى هي السبب في احداث التأثير مثل اغتيال شخصية وطنية معينة تؤدي وسائل الاعلام الى زيادة الاثر او الحد من خلال الرسائل التي تعكسها.
4. قد تكون وسائل الاعلام سبباً ضرورياً ولكنه ليس كافيا لاحداث الاثر وذلك ضمن عوامل عديدة اخرى.
5. قد تكون وسائل الاعلام سبباً كافياً، ولكنه ليس ضرورياً لاحداث الاثر ، حيث تكون الاسباب البديلة ممكنة ايضا.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور.
المصدر: جريدة الصباح-20-6-2006